لدوحة في 05 مايو /قنا/ عزا السيد رجا الخالدي الخبير الاقتصادي بشعبة العولمة واستراتيجيات التنمية بالأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، الأزمات التي حلّت بالعالم والتقلبات الاجتماعية في المنطقة العربية مؤخرا، إلى ما أسماه بسوء إدارة للسياسات الاقتصادية في كثير من الحالات وتبعات المرحلة الماضية من العولمة.
وأوضح الخالدي، في لقاء مع وكالة الأنباء القطرية /قنا/، أن التحرير التجاري الذي ولّد بعض النمو في المنطقة لم يولّد العمالة أو يخلق فرص العمل، وأن (الأونكتاد) ترى أنه بعد عشرين سنة من العولمة ما زال هناك فقر محدق في بعض المجتمعات وسوء توزيع للدخل وقد "شهدنا جزءا من انعكاسات ذلك في المنطقة العربية في السنة الأخيرة".
وشدد على صواب رؤية المنظمة التي حذرت على الدوام من مخاطر يمكن حدوثها في الاقتصاد العالمي، مضيفا أن البعض تنبه أخيرا إلى أن تلك التحذيرات كانت في محلها، ومن ثم من الأهمية بمكان أن يعود الجميع إلى الإجماع الذي يؤكد على ضرورة استمرار الأونكتاد في الأبحاث في كل مجالات الاقتصاد العالمي.
ونفى الخالدي أن يكون هناك خلاف مؤسسي بين الاونكتاد والمنظمات الأخرى العاملة تحت مظلة الأمم المتحدة كمنظمة التجارة العالمية ومنظمة العمل الدولية وغيرها، معتبرا أن الخلاف هو بين الدول الاعضاء في الأونكتاد التي هي نفس الدول الأعضاء في تلك المنظمات.
ورأى أن الانتقادات التي وجهها البعض للمنظمة خلال مؤتمرها الأخير بالدوحة والتي تأتي على خلفية تقرير لإحدى هيئات الأمم المتحدة التفتيشية حول الإدارة اليومية للمؤسسة هي جزء من هجوم يستهدف الأونكتاد وانحصرت بشكل أساسي في "سوء الإدارة"، مبينا أن هذا الموضوع كان على جدول أعمال مؤتمر الدوحة وتقرر سحبه لاحقا. وأكد أن من يهاجم المنظمة أو ينتقدها لسوء إدارة يغفل أو يتغافل عما هو موجود في نفس التقرير حول تميزها في موضوع البحث الاقتصادي وتقدمها على غيرها من المنظمات، معتبرا أن هذا النقد نابع أساسا من محاولة عامة لإظهار الأمانة العامة بمظهر "عدم المصداقية".
وشدد الخالدي على أن أولئك الذين يناوئون المنظمة ويركزون على بعض الاستنتاجات النقدية دون النظر إلى نتائج التقييم ككل، يحترمون عملها ويرون في الوقت نفسه أن العاملين بها خبراء غير عقائديين يدرسون بشكل جيد حتى وإن اختلفوا مع استنتاجاتها.
المشاكل نفسها موجودة في جميع هيئات الأمم المتحدة والعمل على إصلاحها جار دائما
وأوضح الخالدي، في تصريحاته لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، أن منظمة الأونكتاد لا تشكل تهديدا لأحد وجميع من يخدمون فيها لا يتجاوز عددهم 400 موظف، ولديها تاريخ فكري عريق يمتد من أوائل الخمسينات مع مؤسسها راؤول بربيش الذي وضع أسس الفكر التنموي "الدراسات الاقتصادية التنموية". وبيّن أن هذه المشاكل نفسها موجودة في جميع هيئات الأمم المتحدة والعمل على إصلاحها جار دائما حيث يتم التقدم بعض الشئ في بعض المجالات أحيانا أكثر مما يتم التقدم في مؤسسات ثانية، ومن ثم "فليس عندنا فساد وليس لدينا أي شيء نخفيه في موضوع الإدارة".
وبسؤاله عن السبب الذي يدعو الأونكتاد إلى تبني "عولمة محورها التنمية" شعارا للدورة الثالثة عشرة من مؤتمرها الذي اختتم قبل أيام في الدوحة، أكد الخالدي أن العولمة باعتبارها مصطلحا يستخدم لوصف طبيعة العلاقات الاقتصادية الدولية القائمة منذ عقد او اكثر ليست عقيدة ولا هي سياسة بل هي ظاهرة مستمرة ومتوسعة وحتمية تتغير وتتحول بين فترة وأخرى ولا مناص اليوم من تعامل الجميع معها دولا وأفرادا. لكنه أشار إلى أن "العولمة الحديثة التي نعيشها منذ سنوات التسعين على الأقل مرتبطة بعملية تحرير التجارة (عملية التبادل التجاري العالمي) وتحرير عملية تدفق الأموال سواء كان ذلك بطريقة استثمارية أو ما يتصل بحركات التدفقات المالية الاخرى".
وقال الخالدي إن التنمية تشير إلى نمو اقتصادي مستدام دون تقلب كبير وتوزيع فوائد هذا النمو على أكبر قدر ممكن من المجتمع ومن خلال هذا التوزيع العادل للمكاسب الإنمائية تتطور فئات المجتمع المختلفة ومؤسسات الدولة المختلفة وهي في الآن نفسه عملية مستمرة.
ورأى أن السؤال يجب أن يكون إلى أي مدى يمكن تحقيق التنمية المستدامة والعادلة والمنصفة في ظل العولمة الاقتصادية الحديثة التي نعيشها.. أو بمعنى آخر إلى أي مدى يضر الإفراط في التحرير التجاري والسماح للأسواق المالية بالتفاعل الحر دون أي تنظيم بالتنمية خاصة في الدول النامية التي عُولمت في القاطرة الاقتصادية دون أن تنمو حتى الآن بالشكل المرغوب.
وأشار في هذا الإطار إلى الأضرار الاجتماعية الصعبة الناتجة عن عدم تساوق التنمية بالشكل الكافي مع العولمة وانعكاساته مثلا خلال الأزمة الاقتصادية الأوروبية، مبينا أن التنمية لم تستطع في جميع الحالات أن تواكب العولمة التي هي عملية سريعة ومتشعبة جدا
.
(الأونكتاد) تبشر ب"النظام التجاري العالمي متعدد الاطراف"
وعن ملامح المستقبل الذي تبشر به (الأونكتاد) قال السيد رجا الخالدي الخبير الاقتصادي بشعبة العولمة واستراتيجيات التنمية بالأمانة العامة لمنظمة (الأونكتاد)، إنها ليست بعيدة عن ملامح ما تسميه المنظمة "النظام التجاري العالمي متعدد الاطراف" الذي تم منذ 2001 مع انطلاقة جولة المفاوضات التجارية المسماة بجولة الدوحة التنموية.
وأضاف "هذا النظام التجاري العالمي الذي له مبادئ وقوانين وله محاكم واتفاقيات واحترام متبادل بين الاطراف ويوازن بين دور الحكومة والتنظيم القانوني للأسواق من جهة والتحرير وعدم تقييد آليات السوق من جهة ثانية، هو الذي نطمح إليه من خلال عملنا في القطاع المالي".
وأوضح الخالدي أن بعضا من الدول تعتبر أن قضايا المال ليست من اختصاص الأونكتاد وهو أمر أكد أنه غير صحيح، باعتبار أن الاونكتاد أنشئت لدراسة العلاقة والإدلاء بالسياسات الاقتصادية الملائمة التي تنظم العلاقة ما بين التجارة والتنمية والمال والاستثمار والتكنولوجيا.
وأشار إلى أن الأونكتاد أنشئت كاعتراف دولي أممي من جميع الأطراف، وأنه لا يمكن فصل التجارة عن التنمية والتنمية عن المال والمال عن التكنولوجيا، مشيرا إلى أن المنظمة ترى أنه بالرغم من كل الإنجازات التي تم تحقيقها في بناء نظام تجاري منظم لابد من أن يترافق مع ذلك نجاح فيما يتعلق بإدارة التدفقات المالية العالمية بل أبعد من ذلك، التعامل مع موضوع النقد والقضايا النقدية في الاقتصاد الكلي من أجل التوازن في العلاقات الاقتصادية الدولية.
وأضاف الخالدي أن الأونكتاد تطمح لمزيد من التنظيم (تنظيم ذكي) وليس تنظيما يثقل كاهل حركة الأسواق ويشكل عبئا عليها بل تنظيم وشفافية يسمحان لكل العناصر الفاعلة في السوق بأن تأخذ مكانها في ملعب تتساوى فيه جميع الأطراف بمعنى ألا يكون المال هو الغالب على الاقتصاد الحقيقي.. بل أن يخدم المال بناء الاقتصاد الحقيقي ولا يأخذ مكانه.
وأشار في هذا السياق إلى أن تقرير الدكتور سوباتشاي بانيتشباكدي الأمين العام للمؤتمر يوضح الى حد ما الفكرة العامة التي خلف مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية المنعقد بالدوحة وهي "التحذير من العولمة التي يقودها المال".
المنظمة التي تستطيع ان تحمل راية التنمية عاليا وان تنادي بضرورة مراعاة الشؤون التنموية
وحول جولة الدوحة وما يمكن أن ترفدها به رئاسة قطر للمؤتمر، قال الخالدي، في تصريحاته لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن نقطة التداخل بين عمل (الاونكتاد) وعمل المنظمات الأممية الأخرى همشت إلى حد ما دور الأونكتاد في هذا الموضوع، وخصوصا منذ أن أنشئت منظمة التجارة العالمية في العام 1995 وأنيط بها كل ما يتعلق بالتفاوض التجاري.
وأكد أن المنظمة التي تستطيع ان تحمل راية التنمية عاليا وان تنادي بضرورة مراعاة الشؤون التنموية في اطار إتمام جولة الدوحة اذا ما أريد إتمامها، يجب عليها أن تكون صريحة أكثر في تقييمها لمدى إحراز تقدم فعلي للتنمية من خلال المزيد من التحرير.
وأشار الخالدي في هذا الصدد إلى أنه أمام الأزمة العالمية الاقتصادية تبيّن اليوم ان مركز ثقل الازمة والمشكلة التي لم يتم حلها هو خارج إطار منظمة التجارة العالمية بمعنى أن المفاوضات لا تتقدم في المنظمة، مبينا أن عدم إحراز التقدم حتى الآن يعود أكثر إلى نشوب الأزمة الكبرى والأكبر في القطاع المالي غير المنظم وغير الشفاف، محذرا من مخاطر قادمة يمكن أن تظهر في أي وقت.
واعتبر أن عيون العالم كله وصانعي القرار في أوروبا وفي امريكا وحتى في الدول النامية مسلطة أكثر على كيفية حل الازمة الاقتصادية العالمية التي هي ليست أزمة تجارية بل هي أزمة مالية، ومن ثم فإن أهمية وإمكانية إحراز تقدم في الدوحة تعتمد حسب وصفه على بداية نشوء نظام مالي عالمي قد ينشأ بعد التكامل مع النظام التجاري العالمي.
وحول الانتقادات الموجهة للتسيير المالي داخل المنظمة، قال إن هناك رغبة من بعض الدول بأن لا يتسع دور الأونكتاد ليتداخل مع ولايات أو برامج عمل منظمة أخرى سواء كان ذلك في التجارة أو في المال و"هو موقف يتجاهل ما تكلمنا عنه قبل لحظات من عدم إمكانية فصل المال عن التجارة عن السياسة".
ودعا الخالدي إلى ضرورة وجود صوت ورأي آخر مختلف عن الرأي المتبع الموجود حاليا لدى المؤسسات المختصة في هذا الموضوع، معتبرا أن هذا الرأي ليس بالضروري أن يكون مناقضا لما هو سائد حيث تدرك (الأونكتاد) أهمية البنك الدولي وصندوق النقد ودورهما الريادي والرئيسي والقيادي في هذه المسألة. شأن الاقتصاد العالمي يستحق المنافسة في التفكير والتعددية في الآراء
وأوضح السيد رجا الخالدي الخبير الاقتصادي بشعبة العولمة واستراتيجيات التنمية بالأمانة العامة لمنظمة (الأونكتاد)، في تصريحاته لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، أنه كما تطالب الدول جميعها بالمنافسة والتحرير والشفافية وحرية التعبير فإن شأن الاقتصاد العالمي يستحق ايضا المنافسة في التفكير والتعددية في الآراء كي لا تتكرر أخطاء الماضي من خلال التركيز على نموذج تنموي واحد وأوحد.
ولفت في هذا السياق إلى أن ما حصل عمليا بعد الأزمة المالية في أمريكا هو /تأميم/ حتى وإن لم يسمّ رسميا كذلك وهو من الخطوات الممنوعة حسب هذا النموذج الأوحد والوحيد.
وأضاف أنه "لكل حالة نموذجها ولكل مرحلة أيضا نموذجها الاقتصادي بمعنى أنه يجب إدراك دور الدولة ووزن السوق وأن هذه الأدوار متقلبة وغير ثابتة وبالتالي فليس هناك قانون أممي أبدي حول هذه العلاقة.. ففي بعض المراحل لابد من اطلاق حرية السوق اكثر وفي بعض الحالات الأخرى يجب تدخل الحكومات بشكل أفضل".
وشدد الخالدي على أن هناك فرصة حقيقية للعمل مع قطر كبوابة للمنطقة من خلال رئاستها لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الثالث عشر، للتفكير معا بنشاطات وورشات تستفيد المنظمة منها في تقريب العرب إلى الأونكتاد على اعتبار أنهم إلى حد ما بعيدون عن أعمالها في جنيف. وأعاد ذلك إلى الوضع الاقتصادي الذي وصفه بالجيد في الكثير من الدول العربية بسبب النفط والثروة الطبيعية وكونها لا تعيش أزمات حقيقية ما جعلها لا تقدر أحيانا أهمية مثل هذه المنظمة.
وطالب الخبير الاقتصادي بالأمانة العامة لمنظمة الأونكتاد، دولة قطر بأن تحمي الاونكتاد من أي تراجع في ولايتها وفي برنامج عملها من خلال المؤتمر الذي ترأسه، مشددا على أهمية أن تكون العين القطرية مركزة دائما على الاونكتاد ورعاية أعمالها خلال السنوات القادمة لكي لا تخسر أيا من الإنجازات التي حققتها.
وشدد الخالدي، في ختام تصريحاته، على أهمية رئاسة قطر لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية خلال السنوات الأربع القادمة تنبع من أنها ستكون المرجعية في حال ما إذا نشب خلاف بين الدول الأعضاء.. ورأى في تلك الرئاسة للمؤتمر فرصة للأمانة العامة للأونكتاد للتعرف أكثر على المنطقة العربية.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.