ندوة حول "حالة المدافعين عن حقوق الإنسان في الشرق الأوسط" بمجلس حقوق الإنسان في جنيف: التضييق على نشطاء حقوق الإنسان بلغ ذروته في عهد بن سلمان والسيسي
المرصد الأورومتوسطي يطالب بمحاكمة المتورطين في الجرائم التي تطال النشطاء الحقوقيون في السعودية ومصر واليمن
جنيف: يوم 1 مارس 2019
حذّر باحثون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان من ارتفاع حدة التهديدات والانتهاكات التي تطال المدافعين عن حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية ومصر واليمن، وغيرها من الأنظمة الشمولية، لافتين إلى أن أحكام السجن والتضييق على نشطاء حقوق الإنسان شهدت ذروتها في السعودية في عهد محمد بن سلمان، وفي مصر منذ اعتلاء عبد الفتاح السيسي الحكم في بلاده. وإزاء الانتهاكات المتفاقمة في السعودية ومصر واليمن، أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أنه دعا مجلس حقوق الإنسان والمقررين الخواص بالأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة تحقيق حول الانتهاكات التي تطال العاملين في المدافعين عن حقوق الإنسان لتحديد المسؤولين والسعي لتقديمهم للمحاكمة عبر تشكيل محكمة مختصة بذلك من خلال مجلس الأمن، أو عبر المحكمة الجنائية الدولية، داعيا في الوقت ذاته إلى تشكيل لجنة دولية للتحقيق في الجرائم التي تٌرتكب بحق المدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية ومصر واليمن بما يفضي إلى إحالة مرتكبي الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية. جا ذلك، خلال ندوة نظمها المرصد الأورمتوسطي لحقوق الإنسان ومنظمة "التضامن السويسرية- غينيا"، بمقر مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في جنيف، حول "حالة المدافعين عن حقوق الإنسان في الشرق الأوسط: السعودية، ومصر اليمن)، حذّر خلال باحثون في مجال حقوق الإنسان من تزايد الانتهاكات التي تطال المدافعين عن حقوق الإنسان في الدول الثلاث، لافتين إلى أن الحكومات في الأنظمة الشمولية لا تتجاوب مع نداءات منظمات حقوق الإنسان التي لا تملك غير العمل الحقوقي، وليس لديها القوة السياسية لفرض أي تغيير ومساعدة الأشخاص الذين تعرضوا للانتهاكات، بينما تمعن تلك الأنظمة في ممارسة انتهاكاتها وقمعها لنشطاء حقوق الإنسان تحت ذريعة حماية الإرهاب، لتبرير انتهاكاتها.
لامية فضلى: المدافعون عن حقوق الإنسان الأكثر إزعاجا للأنظمة القمعية
قالت لامية فضلى، باحثة حقوقية متخصصة بقضايا الشرق الأوسط إنه منذ اندلاع الاحتجاجات في بعض الدول بالشرق الأوسط عام 2011، لجأت الحكومات إلى سياسة تكميم الأفواه، والسعي إلى إخماد الأصوات التي تنادي بالإصلاح والتغيير بدلًا من إجراء إصلاحات جذرية لتحسين حياة المواطنين ومحاربة الفساد المتفشي في مفاصل أنظمة الحكم في تلك البلدان. وأضاف: "ولأن فئة المدافعين عن حقوق الإنسان هي أكثر الفئات إزعاجًا للأنظمة القمعية، مارست هذه الأنظمة حملة ممنهجة استهدفت إسكات أصوات المدافعين عن حقوق الإنسان، والمنادين بإطلاق الحريات. وبدءًا من الدول التي شهدت انتفاضات شعبية ضد أنظمة الحكم كسوريا ومصر وتونس واليمن والبحرين، وصولًا إلى بعض الدول التي اتخذت فيها الأنظمة تدابير غير قانونية كالسعودية والإمارات، تشابهت الأنظمة الحاكمة في أساليبها التي لم يكن هدف سوى الحفاظ على سياسات التمييز والتهميش، وقمع الأصوات المطالبة بالحرية والمساواة، والتوزيع العادل لمقدرات الدولة". ونوّهت إلى أن المئات من المدافعين عن حقوق الإنسان دفعوا ثمنًا باهظًا، تنوع بين القتل والاعتقال والإخفاء القسري، ونزع الجنسية والمنع من السفر، والتجريد من أغلب حقوقهم السياسية والمدنية. وتوقفت الباحثة الحقوقية عند حالة نشطاء في المملكة العربية السعودية، قائلة: "يظهر جليًا تصاعد حملة القمع مع تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في يونيو 2017 بعكس النية التي أظهرها بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية تهدف إلى الانفتاح وإطلاق مزيد من الحريات للمواطنين في المملكة". وتابعت: "أظهر ولي العهد محمد بن سلمان النية لتصدير وجه جديد للمملكة بعد عشرات السنين من فرضها لقوانين متعددّة تقيّد حرية الأفراد وتحرمهم من بعض حقوقهم الطبيعية، لكّن سرعان ما أثبتت الوقائع الميدانية عكس هذه الصورة عندما شدّدت السلطات من قبضتها الأمنية لإسكات كل من يحتمل معارضته لنظام الحكم في البلاد". وسردت لامية فضلى، عدد من أبرز حالات الانتهاكات التي تطال نشطاء حقوق الإنسان السعوديين، وأبرزهم لجين الهذلول، الناشطة الحقوقية سعودية في مجال حقوق المرأة، وسمر بدوي، والناشطة الحقوقية والأكاديمية عزيزة يوسف، ومحمد البجادي، الناشط السياسي وأحد مؤسسي جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية، إلى جانب عبد الله الحامد، المفكر والناشط والمعارض السعودي، حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة الأزهر، وأحد مؤسسي لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية وجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية، وإيمان النفجان، مدونة من المملكة العربية السعودية بدأت في الكتابة في مدونة Saudiwoman، حيث كانت تكتب على قضايا السعودية الاجتماعية والثقافية مع التركيز على تلك المتعلقة بالنساء.
غادة الريان: نظام السيسي يضطهد النشطاء بذريعة محاربة الإرهاب
من جانبها، قالت غادة الريان، ناشطة حقوقية إنه بعد سقوط نظام الرئيس المعزول حسني مبارك، فإن مصر تشهد موجة من الانتهاكات تواجه المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يتعرضون لعرقلة نشاطهم، واضطهادهم بأساليب مختلفة، تحت ذريعة محاربة الإرهاب. ومن أبرز النشطاء القابعين خلف قضبان السجون السيد شادي الغزالي حرب والسيد محمد إبراهيم رضوان، والسيد خالد محمود والسيد محمد رمضان، والصحفي عادل صبري، والسيد أحمد زيادة، والسيد ابراهيم متولي حجازي، والسيد أحمد عماشة، والسيدة حنان بدر الدين. ونوّهت إلى أن السلطات المصرية تسكت كل أصوات المعارضة في مصر، والمدافعين عن حقوق الإنسان ينددون بانتهاك حقوقهم الأساسية، إلى جانب وقوعهم تحت طائلة دعاوى قضائية تستهدفهم من قبل الأجهزة الحكومة المصرية. ولفتتت إلى أن حملة التضييق على المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر شملت الحجز والاعتقال غير القانوني، واتخاذ إجراءات غير قانونية، ومنع السفر وحجز الممتلكات. ويواجه هؤلاء عقوبات تشمل السجن والتعذيب، وقد تصل إلى الإعدام خارج نطاق القانون، حيث لا يزال عشرات منهم خلف القضبان، وعشرات آخرون تحت الاستجواب والمضايقات القضائية، وآخرون تعرّضوا لحملات التشهير ومنهم من تم حظره من السفر. وسردت الناشطة الحقوقية حالات لعدد من المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر، ممن تم سجنهم والتضييق عليهم، مثل أحمد جمال زيادة المحقق الصحفي والناشط في حقوق الإنسان الذي نشر عديد المقالات في صحف ومواقع إعلامية مثل العربي الجديد والجزيرة، ودافع عن حرية الرأي وتم اعتقاله وتجديد حبسه بتهمة نشر معلومات زائفة. وأوضحت قائلة: منذ 2011، تحاول الأجهزة الأمنية العسكرية تقييد حريات نشطاء حقوق الإنسان، والعديد منهم أصبحوا ضحايا الضغوط، ولا سيما ممثلي نشطاء المنظمات الدولية المرغمين على مغادرة مصر، بعد اتهام العديد من نشطاء حقوق الإنسان في 2015 بالحصول على دعم مالي من جهات خارجية دون تراخيص. وشدّدت على أن أجهزة الأمن تضغط على المدافعين عن حقوق الإنسان والمدنيين، وكل من ينتقد السيسي الذي حصل على كل التراخيص للتضييق على المنظمات المعارضة له، ولا يمكن نشر أي بحث دون ترخيص رسمي من الحكومة. إلى جانب تقييد حرية السفر على النشطاء والمنظمات الدولية التي تتعرض لحجز ممتلكاتها ولا يمكن لها مغادرة مصر. في وقت قررت منظمة العفو الدولية "أمنستي" إغلاق مكاتبها في مصر بسبب الخوف وتعرضها للتضييق. ونوّهت غادة الريان إلى أن المرصد الأوروبي المتوسطي يدافع عن حقوق هؤلاء الأشخاص وضد القرارات غير القانونية التي لا يمكن استئنافها والطعن فيها، مشيرة إلى أن الحكومة لا توفر أية أساليب لمحاولة إسكات المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، بذريعة محاربة الإرهاب.
علاء البرغوثي: المرصد الأورومتوسطي يطالب بالتحقيق في الانتهاكات ضد نشطاء حقوق الإنسان
قال علاء البرغوثي، باحث في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن العديد من بلدان الشرق الأوسط -سواءً تلك التي تعيش حالة من الاستقرار السياسي او تلك التي تعاني من نزاعات مسلحة داخلية او دولية- لا تزال تعامل المدافعين عن حقوق الإنسان كعدو اياً كان المجال الذين يعمل به هؤلاء المدافعين. وتوقف البرغوثي عند حالة اليمن التي تزايدت فيها الانتهاكات ضد المدافعين عن حقوق الانسان والعاملين في المجال الانساني منذ بداية النزاع المسلح فيها، وسيطرة مليشيا الحوثي على اليمن في سبتمبر 2014. وأشار إلى أنه في العام 2018، تم توثيق ما يقارب 200 انتهاكاً على الأقل بحق مدافعين عن حقوق الإنسان ومنهم إعلاميين، شملت انتهاكات للحق في الحياة، و اعتداءً على الحريات العامة، و اعتقالات تعسفية، عدا عن عمليات التعذيب ، والمحاكمات غير القانونية. وأضاف: في السنوات الماضية سعى المدافعون عن حقوق الإنسان في اليمن إلى تسليط الضوء على الانتهاكات المروِّعة، ونجحوا في كسب التأييد لمطالبة مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بتجديد صلاحيات "مجموعة الخبراء البارزين في اليمن". ونتيجة لذلك، تعرَّض هؤلاء المدافعون لحوادث اختفاء قسري، ولاعتقالات تعسفية، ولتهديدات بالقتل. وعرض الناشط الحقوقي عدداً من الحالات التي قد تلخص جانباً من تلك المعاناة التي يعيشها المدافعون عن حقوق الإنسان في اليمن. وخلص البرغوثي إلى عرض التوصيات الحقوقية للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان التي تناولت أوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان في كل من المملكة العربية السعودية ومصر واليمن. وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أن طبيعة العمل الانساني الذي يقوم به المدافعون عن حقوق الإنسان في بلدان الشرق الأوسط تجعلهم من الفئات المحمية بموجب القانون الدولي، ويعتبر ما تقوم به السلطات الحاكمة من استهداف للمدافعين عن حقوق الإنسان يمثل انتهاكاً جسيماً لقواعد لقانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة 1949م، ويمكن أن يمثل جريمة حرب. وعليه، دعا المرصد مجلس حقوق الإنسان والمقررين الخواص لمتابعة الانتهاكات التي تطال العاملين في المدافعين عن حقوق الإنسان وتشكيل لجنة تحقيق حيثما دعت الحاجة لتحديد المسؤولين عن هذه الانتهاكات، والسعي لتقديمهم للمحاكمة عبر تشكيل محكمة مختصة بذلك من خلال مجلس الأمن، أو عبر المحكمة الجنائية الدولية. كما دعا المرصد المجتمع الدولي إلى تشكيل لجنة دولية للتحقيق في الجرائم التي تٌرتكب بحق المدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية ومصر واليمن بما يفضي إلى إحالة مرتكبي الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية. وطالب المرصد السلطات الحاكمة في السعودية ومصر واليمن بتجنيب المدافعين عن حقوق الإنسان دفع فاتورة الخلافات السياسية الداخلية كما نطالب بالوقف الفوري لجميع حملات الاعتقال والتضييق بحقهم. كما شدّد على مطالبته لحكومات في البلدان الثلاثة بالالتزام بمبادئ القانون الدولي الإنساني والوقف الفوري للانتهاكات ضد المدنيين على جميع الأصعدة. وخلص البرغوثي إلى القول: إن المرصد الأورمتوسطي يطالب المجتمع الدولي بالتحرك الفوري والعاجل للضغط على جميع الأطراف المشاركة في احتجاز وتعذيب المدنيين في السعودية ومصر واليمن إلى التوقف الفوري عن سياسات الإخفاء القسري والتعذيب الممنهج وجميع أنواع سوء المعاملة الأخرى وللكشف عن كل السجون والمعتقلات السرية في البلاد. وأكد المرصد الأورومتوسطي على أنه على جميع الأطراف السياسية في البلدان التي تشهد نزاعات مسلحة كاليمن تحمل المسؤولية الإنسانية والقانونية والعمل مع منظمات الأمم المتحدة لوقف النزيف المستمر منذ خمس سنوات في اليمن وإنقاذ المدنيين من شبح الحرب والمجاعات والفقر المدقع الذي يلاحقهم منذ سنوات. كما شدّد المرصد على ضرورة الضغط على السلطات الحاكمة في مصر لإنهاء الأحكام المسيسة وقرارات الإعدام التي تتخذها بحق عشرات المصريين بتهم ملفقة وحيثيات قانونية مسيسة. وختم البرغوثي بالقول إن المرصد الأورمتوسطي يؤكد على ضرورة أن تلتزم الحكومات في الدول الثلاثة وهي السعودية ومصر واليمن بالالتزام بالاتفاقات والمعاهدات الدولية لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان ومنح سلامة وحرية السجناء المدنيين ومنهم المدافعين عن حقوق الإنسان الأولوية القصوى.
الصور